
يٌذكّر العدوان الأحادي الذي قاده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهوعلى دولة قطر عصر الثلاثاء الموافق 9 سبتمبر 2025 الساعة 3:46 مساء بالعدوان الثلاثي الذي قاده سلفه دافيد بن غوريون على جمهورية مصر العربية في 29 أكتوبر 1956 الساعة 5:00 مساء، وأوجه الشبه تبدو متقاربة من حيث المبررات والنتائج، فمن حيث المبررات كان من مبررات العدوان الثلاثي على مصر إشراف القاهرة في تلك الأيام على تدريب الفدائيين الفلسطينيين انطلاقا من قطاع غزة وشرق سيناء، وهو ما أزعج تل أبيب بشدة وسعت إلى وضع حد له، فيما كان مبرر العدوان الأحادي على الدوحة تواجد قادة المقاومة الفلسطينية في الدوحة، والأسطوانة الإسرائيلية المشروخة بدعم الدوحة للمقاومة الفلسطينية، مع الفارق في هذه الحالة، حيث أن تواجد رجال المقاومة في قطر كان بطلب من إسرائيل وحلفائها، وتكليفا منهم لقطر بالوساطة، باعتبارها وسيطا موثوقا ونزيها، الأمر الذي جعل هذا العدوان غدرا وخيانة.
ومن حيث المحصلة والنتائج، فقد كان من نتائج العدوان الثلاثي حصول هزيمة معنوية كبرى لإسرائيل، وهزيمة أخلاقية وسياسية لفرنسا وبريطانيا إلى اليوم، ونفس الشيء حصل مع العدوان الأحادي، فقد انقلبت العملية إلى فضيحة عسكرية وأخلاقية وسياسية لإسرائيل، عسكريا لأنها فشلت في تحقيق الهدف، وسياسيا وأخلاقيا لما سببته من غضب وحرج عميق لأقرب حلفاء إسرائيل اللذين وجدوا أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه، وقد أكد هذا الموقف الرئيس الأميركي ترامب الذي قال إن هذه العملية من فعل نتنياهو لوحده، وهو عمل غير مستساغ و لا مقبول أن تتعرض أراضي بلد حليف وصديق لأميركا للاعتداء، وتعهد بألا يتكرر هذا العمل مستقبلا. كما عزلت هذه العملية الهمجية إسرائيل تماما عن العالم الحر والمتحضر لدرجة دفعت كندا للإعلان رسميا عن إعادة تقييم علاقاتها مع إسرائيل بعد هجومها على قطر. ولا ننسى، في مجمل الأحوال، أن غزة كانت ظهير المقاومة وراء جميع هذه الأحداث.
العدواني الإسرائيلي على دولة قطر لم يكن مفاجئا بل كان صادما، هكذا استقبل العالم هذا العدوان، وقد وقفتٌ على تحليل يٌجمِل هذا الموقف كتبه بريت ماكغورك محلل الشؤون العالمية في شبكة سي ان ان، والذي شغل مناصب عليا في مجلس الأمن القومي الأمريكي في عهد الرؤساء جورج دبليو بوش، وباراك أوباما، ودونالد ترامب، وجو بايدن، حيث قال إن هذا العدوان كان صادما لعدة أسباب، أولها إعلان إسرائيل مسؤوليتها عنه صراحة وللوهلة الأولى عكس عملياتها السابقة جميعا التي لم تعلن عن تبنيها إلا بعد فترات طويلة، وثانيها، كون الولايات المتحدة وإسرائيل نفسها هي من طلبت من دولة قطر استضافة هؤلاء القادة، وبالتالي لم يكن موقعهم سرا، وقد كان هناك تفاهم ضمني يقول بريت، حتى ولو كانت إسرائيل تستطيع اغتيالهم، فإنها لن تفعل ذلك نظرًا لدور قطر في التوسط في المفاوضات. والثالث لكون العدوان يُقلل من احتمالية التوصل إلى صفقةٍ لإطلاق سراح الرهائن التي كانت قطر تتوسط فيها بالتنسيق مع كل من مصر والولايات المتحدة.
العدوان، أكد حقيقتين حتى الآن أولاهما حصول خطأ تكتيكي لا يغتفر،وحماقة غير مسبوقة من نتنياهو أجهزت على آخر أمل في حصول اتفاق سلام مرحلي، كان سينقذ قليلا من ماء وجهه المتصحر، والثانية حدوث زلزال سياسي لا يمكن تخمين عواقبه، فللمرة الأولى يتم الاعتداء على بلد عربي خارج دول الطوق ودول المواجهة مع إسرائيل، ولأول مرة يتم الاعتداء على “حليف رئيسي"للولايات المتحدة من خارج حلف شمال الأطلسي "الناتو" بهذه البجاحة وهذا التهور.
أمام هذا المشهد الضبابي، تبدو قطر شامخة بقيادتها الشابة والحكيمة،متمسكة بسياساتها الداعمة لحقوق الشعوب والوساطة النزيهة للإسهام في إحلال الأمن والسلم الدوليين، وتتحمل في سبيل ذلك ضرائب الموقف، ولكنها لا تنحني للمواقف الصعبة. وقد كانت الهبة العالمية التضامنية التي قوبل بها هذا العدوان أكبر دليل على أنها كسبت المعركة من الجولة الأولى، ولا يسعني هنا إلا أن أشيد بالموقف التضامني الذي وقفته الجمهورية الإسلامية الموريتانية مع شقيقتها قطر حيث أصدرت الدولة ممثلة بوزارة الخارجية بيانا رسميا، أعقبه بيان تضامني من الحزب الحاكم – حزب الانصاف، واتصال مباشر من فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مع شقيقه سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر. كما أن توافد القادة إلى الدوحة منذ اليوم الأول للعدوان من أعلى هرم السلطة في الدول العربية والإسلامية والأجنبية، إلى جانب الاستنكار العالمي لهذه الجريمة، لهما أكبر دليل على صلابة وقوة الموقف القطري في هذه الأزمة المفتعلة إسرائيليا.
التطور الأهم، أننا على موعد بعد يومين من قمة عربية إسلامية استثنائية، سيكون حضورها على أعلى مستوى، وستكون الأمتان أمام اختبار جدي، فهل ستكونان على مستوى التحدي فعلا وتذكراننا بقمة "اللاءات الثلاثة" في الخرطوم، بالنظر إلى حجم وجسامة التحديات التي تواجهها الأمتان العربية والإسلامية اليوم أمام هذا المتغطرس المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية؟، هذا ما نأمله، فدولة قطر لن تغامر ولن تناور بالمستحيل، ولن تضع العرب والمسلمين المجتمعين في ضيافتها ولدعمها أمام فعل لايستطيعونه، ولكنها ستضع مظلوميتها أمامهم بصدق وتجرد ولها الحق في أن تحتفظ بحق الرد حيال الهجوم الإسرائيلي والتعامل بحزم مع أي اختراق متهور أو اعتداء يطال أمنها ويهدد استقرارها، واستقرار المنطقة كذلك، كماأنه من واجبها اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للرد عليه، وهذا ما تريده ونريده كشعوب عربية وإسلامية، لأن ما وقع على قطر من اعتداء وجُرم هو واقع بالفعل على الجميع ودون استثناء، والرسالة التي أوصلتها يد نتنياهو الغادرة هي أنه لا دولة عربية أو إسلامية في مأمن من نيراننا وصواريخنا، والخلاصة الأهم كذلك أن دولة قطر اليوم تحمل راية الأمة وشرفها وكرامتها، إن حافظوا عليها بقوا شامخين سالمين، وإن استهانوا في الرد والموقف، سيصبحون الهدف القادم ، وسيؤكلون تماما كما أكل الثور الأبيض يوم أكل الثور الأسود.