" بلاغ للناس من قبل النائب بيرام الداه اعبيد" / خطاب بيرام الذي قال فيه إن النظام يحتضر

أربعاء, 17/09/2025 - 10:40

السادة أعلام الصحافة الموريتانية و الدولية، أرسل لكم من أجل النشر خطابي الذي منعتني السلطات الموريتانية من قراءته للجماهير التي استعدت لإستقبالي يوم 15 سبتمبر 2025 :

 

قَسَمي أماكم

 

بلاغ للناس من قبل النائب بيرام الداه اعبيد

 

 

ها أنا أعود إلى موطني، بعد 35 يوما من الغياب، مشيدا، في المقام الأول، بأولئك الذين يعانون في أعماق الزنزانات المظلمة والمقززة بموريتانيا. أعني رفاقي في الكفاح، المدافعين عن حرية التعبير، البواسل والمضطهدين، أباي با، وسيدنا عالي محمد خونا، واعلي ولد بكار.
بادئ ذي بدء، اسمحوا لي، أيها المستقبِلون، بأن أذكّر بحقكم المطلق في التجمع والتعبير عن أفراحكم وأحزانكم وغضبكم. دون أن تستخدموا أبدا أي شكل من أشكال العنف مثلما تعودتم الكفاحَ الراقي، ومن ثم دفعَ الثمن باهظا.
والحمد لله أنكم، على النقيض من القبضة الوحشية التي تسعى إلى سلبكم الكرامة والخبز في الآن نفسِه، أتيتم، في جموع غفيرة، بغية استقبالي رغم البؤس والتثبيط. وعكسا لشراء الضمائر الذي يلجأ إليه النظام المتعثر من أجل تزيين نفسه، بشعبية وهمية، فإن كل واحد منكم جعل من حضوره، هنا، عقيدة وعملا بطوليا.
بالنسبة لنا، نحن معاشر الجماهير المخذولة، الناهضة والمُفَقّرة، فلا حاجة لنا في استئجار الباصات ومَلئها بالنكرات، كما لا حاجة لنا بالتعويض للحشود المتدفقة من كل حدب. لقد برهن الواقع على قوتنا. فهي ليست نتاج الكثرة العددية فحسب، بل إنها تعكس، بالأساس، حجم التعاضد والتوق إلى خلاص طال انتظارُه. إن النظام التمييزي الذي نعمل لإبعاده، لا يملك الوقت للتحالف، فهو يحتضر، وعلينا أن نرافقه في علاجاته التلطيفية بهدف تسريع زواله، بلطفٍ، دون المساس بالمستقبل المشترك. 
من جهة أخرى، أؤكد لكم، أيها المواطنون الأعزاء، الغاضبون إزاء محنة الشعب الفلسطيني الأبي، أن المظاهرات العارمة ضد جرائم إسرائيل تتضاعف في كل المدن الأوربية. إن الفلسطينيين يتحدثون لكم عن أنفسكم، فالظلم، أيا كانت طبيعته ومرتكبه، لا يولّد إلا الاحتجاج، ثم الثورة.  ولعل موريتانيا، مع الفارق، لن تنجو من القاعدة الثابتة للتحرر.
يا ساكنات نواكشوط ويا ساكنيه، إنني أجتاز، اليوم، عاصمتنا التي أُعلِن، قبل سنة، أنها ستكون ورشة للنهوض ومثالا على العصرنة. وبالرغم من تصريحات الحكومة، والتدشينات الضئيلة، والمسرحيات المتلفزة، وبالرغم من تمويل بلغ 50 مليار أوقية، ها أنتم تمثلون الضحية والشاهد على انتشار القمامة واستشراء الفساد. فالقليل من المطر يتحول مباشرة إلى سيول إذ ينهار الرصيف الذي لا يزيد سمكه على بضعة سنتمترات، فيكشف عن مدى الخديعة. إن حالته المتدهورة تفضح المستفيدين من الصفقات العمومية التي ما فتئت تمثل البقرة الحلوب لنظام التلصص العرقي-القبلي.
إنهم يسرقونكم من خلال الفواتير المغشوشة، والشهادات المزورة، والنصوص المزيفة، كل ذلك يظل ملفوفا بالإفلات من العقوبة وبوقاحة جلية يكاد لا يخفيها زجاج سياراتهم الفارهة. إنهم رجال أعمال مزيفون، ومقاولون يقدمون خدمات الهباء، وتجارُ حسابات مشبوهة، وعَبَدَة المال تحت عباءة التقوى، أولئك الذين يتكاثرون ويتلبّدون بالشحوم في ظل المحسوبية البادية للعيان. إذا ما صادفتموهم، لا تنسوا، بحال من الأحوال، كم ظلوا صنّاعًا لخرابكم.. قولوا لهم إنكم هنا، وأن صبركم على استرجاع الديون السحيقة قد نفد. واعلموا أن خلف السياسة والانتخابات والخطابات، تزدهر رابطة من الأشرار، تكيّفت مع التغيرات الشكلية في قمة هرم الدولة. إنها تمتلك الضيعات، والبنوك، والمصانع، ورخص الصيد والتنقيب عن المعادن، وكمية كبيرة من الأسلحة، والكثير من الامتيازات غير المشروعة، والخدع السافلة، وطوابع الإدارة، وخواتم القضاة، وحتى احتكار التديّن. فيما يضمن لها الأوصياءُ الأجانبُ الاحترامَ والسهر على حمايتها.
في المحصلة، فإن جشع الافتراس يُفقركم. وعندما يَقتل أقوياءُ موريتانيا أحلامَنا المشروعة في الرفاه، ويمنعوننا من الخدمات القاعدية، فإنهم يرغموننا على الدفاع المشروع عن أنفسنا. فهم لا يتركون لنا خيارا بديلا عن اللجوء إلى غريزة البقاء.
نعم، إننا -معشر السكان الأصليين و اللاحقين المضطهدين على أرض أسلافنا- نضع، اليوم، حدا لانحنائنا ونرفع رؤوسنا عالية. إننا سنقرر مصيرنا ونأخذ السلطة من خلال صناديق الاقتراع. من هنا وإلى حين بلوغ ذلك الهدف، فلن نفوّت أية فرصة لنشر الوعي بين صفوف المواطنين، ولن تقف أية متاريس دون ذلك.  لقد انتهت هدنة التنازلات الضرورية والصبر المرن. وبدعمكم، أعلن أن تلك الهدنة أصبحت، من الآن فصاعدا، لاغية. ذلك هو القسَم الذي أؤديه أمامكم.
بيرام الداه اعبيد
نواكشوط، بتاريخ 15 سبتمبر 2025

تصفح أيضا...