
في ذكرى الاستقلال الوطني، تستحضر البلاد مسيرة ستة عقود من البناء والتأسيس… وتعيد النظر في معنى الاستقلال ذاته: فبعد أن تحقق استقلال الأرض والسيادة، جاء وقت الاستقلال المالي والرقمي، القائم على السيادة في البيانات، والتحكم في الأنظمة المصرفية، وبناء اقتصاد متصل وآمن يخدم المواطن أينما كان.
وفي قلب هذا التحول، تقف جيمتل — التجمع المصرفي للنقديات والمعاملات الإلكترونية — كعنوان وطني صريح للانتقال إلى جيل جديد من الخدمات المصرفية الرقمية، جعل موريتانيا في السنوات الخمس
الأخيرة نموذجًا في التحول المؤسسي المدروس.
خمس سنوات… غيرت وجه القطاع المصرفي
بين عامي 2020 و2025، شهدت موريتانيا ثورة هادئة في القطاع المالي، قادتها التكنولوجيا البنكية والبنى التحتية الرقمية التي وضعتها جيمتل.
فقد انتقلت الخدمات المصرفية من نظام مغلق تقليدي إلى منظومة رقمية مترابطة، حيث أصبح المواطن قادرا على تحويل أمواله، ودفع فواتيره، والتسوق إلكترونيا دون الحاجة إلى التعامل بالنقد الورقي.
التحول لم يكن صدفة، بل نتيجة رؤية وطنية واضحة دعمتها الحكومة، وواكبها البنك المركزي، وقاد تنفيذها الميداني التجمع المصرفي للنقديات والمعاملات الإلكترونية جيمتل، من خلال مشاريع نوعية ترجمت الرؤية إلى واقع ملموس.
منصة التبادل البيني… بداية عهد جديد
أكتوبر 2024 شكّل محطة مفصلية في تاريخ النظام المالي الوطني.
ففي هذا الشهر، أعلن البنك المركزي عن إطلاق منصة التبادل البيني بين المحافظ والتطبيقات البنكية — وعددها آنذاك 15 تطبيقًا تعمل جميعها عبر نظام جيمتل.
بهذه الخطوة، أصبحت كل المحافظ البنكية قادرة على التفاعل فيما بينها دون حواجز، وهو ما أطلق رسميًا عهد الربط البيني الشامل بين البنوك، المؤسسات المالية، والتجار.
لقد تحول المواطن من “زبون بنك” إلى “مستخدم نظام مالي وطني موحد”.
هذا النظام جعل من موريتانيا واحدة من الدول القليلة في المنطقة التي تمتلك شبكة دفع وطنية مستقلة ومتصلة بالعالم عبر بوابات Visa، Mastercard، وUPI — مع احتفاظها بسيادتها التقنية على المعاملات المحلية.
الشمول المالي… يتحول من شعار إلى إنجاز
بين عامي 2021 و2023، ارتفعت نسبة السكان الذين يمتلكون حسابات مصرفية من 21% إلى 38% — أي أن أكثر من ثلث المواطنين باتوا جزءًا من المنظومة المالية الرسمية.
ويعود ذلك إلى توسع الخدمات الرقمية:
انتشار المحافظ الإلكترونية
تعميم الدفع عبر الهاتف
زيادة نقاط الدفع عند التجار
وتطوير التطبيقات البنكية التي تختصر المسافات وتقلل التكاليف
اليوم لم يعد فتح حساب مصرفي يتطلب أوراقًا كثيرة أو طوابير طويلة…
يكفي الهاتف لتصبح جزءًا من النظام المالي الوطني.
بنية تحتية وطنية بمعايير دولية
جيمتل لم تكتفِ بتطوير التطبيقات والمنصات، بل بنت خلال السنوات الأخيرة بنية ألياف بصرية متكاملة تربط البنك المركزي بكل البنوك الوطنية، والإدارات السيادية: الضرائب، الخزينة العامة، وأملاك الدولة.
هذه البنية هي العمود الفقري لسيادة مالية رقمية وطنية، تضمن الأمان، السرعة، والجاهزية لأي توسع مستقبلي في الاقتصاد الرقمي.
وفي سبتمبر 2025، دشنت جيمتل مقرها المركزي الجديد وفق معايير دولية، يعكس حجم المؤسسة ودورها الاستراتيجي في تطوير القطاع المصرفي، ويرمز إلى انتقالها من مرحلة البناء إلى مرحلة الريادة والتمكين.
رؤية للمستقبل… واستقلال يتجدد
في ختام عقدين من العمل، وخاصة في السنوات الخمس الأخيرة، أثبتت جيمتل أن التحول الرقمي ليس مجرد شعار أو تحديث شكلي، بل هو قرار وطني سيادي يعيد رسم علاقة المواطن بالمال، والبنوك، والدولة.
فجيمتل اليوم تمثل أكثر من مجرد “نظام دفع”، إنها بنية استقلال مالي رقمي، ومؤسسة سيادية بمضمون اقتصادي، تعمل في صميم الاستراتيجية الوطنية للرقمنة التي يشرف عليها فخامة رئيس الجمهورية، وتنفذها الحكومة بخطى ثابتة.
ومع دخول موريتانيا عقدها السابع من الاستقلال، يحق لنا القول إن الاستقلال الحقيقي يتجدد — لا فقط في الحدود والسياسة، بل في التكنولوجيا والاقتصاد، وفي القدرة على إنتاج نظام مالي وطني متكامل يخدم المواطن، ويفتح أبواب المستقبل أمام الوطن بأمان وثقة.
أعمر يعقوب أعمر

