لبروفسور محمدو لمرابط اجيد يكتب : المواطنة خيط الانتماء وجسر التشارك: ( قراءة في خطاب الرئيس بمقاطعة النعمة)

جمعة, 07/11/2025 - 19:17

 في خطابه بمدينة النعمة، وجّه فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني نداءً وطنيًا عميقًا، استحضر فيه روح المواطنة الموريتانية الأصيلة، وعبّر بجرأةٍ وحكمةٍ عن رؤيةٍ واضحة لتجديد العقد الاجتماعي على أسس الوحدة والمساواة، وتجاوز الولاءات الضيقة التي أعاقت التنمية وأضعفت الانسجام الوطني.

 

وقد مثّل الخطاب تأكيدًا على استمرارية نهج الدولة الحديثة في ترسيخ قيمها ومبادئها، من خلال مضامينه التي شدّد فيها الرئيس على ترسيخ العدالة والوحدة وتجديد أسس العلاقة بين المواطن والدولة، لتكون المواطنة رابطةً جامعةً تعلو فوق كل الروابط.

 

ومن هنا تتجلّى أهمية هذه المضامين ودلالتها في ترسيخ مشروع وطني يُعيد الثقة بين الدولة والمجتمع، ويجعل من المواطنة خيط الانتماء وجسر التشارك.

 

ومن أبرز هذه المضامين ودلالتها:
 *أولًا: المواطنة فوق كل الروابط.* 

 

أبرز ما ميّز الخطاب هو التأكيد الصريح على أن رابطة المواطنة هي الأساس الجامع لكل الموريتانيين، حيث قال فخامته:

 *"ينبغي أن نجعل رابطة المواطنة فوق جميع الروابط الأخرى، القبلية، والعرقية، والشرائحية".* 

بهذا الطرح، أكد الرئيس على سلّم القيم الوطنية، مقدّمًا الانتماء للوطن على كل الانتماءات التقليدية، ومعلنًا أن الهوية الموريتانية الجامعة هي مظلة الجميع. فالمواطنة هنا تتجاوز الشعارات العاطفية، كمنهجٌ سياسيٌّ واجتماعي وثقافي لبناء دولةٍ متصالحةٍ مع ذاتها، تُقدّر الإنسان أينما كان وحيثما كان. 

 

 *ثانيًا: تفكيك البنى التقليدية المعيقة.* 

لم يتردد الرئيس في وصف بعض الممارسات الاجتماعية بأنها « *اعتبارات تراتبية وهمية* »، في إشارةٍ إلى الهياكل التي ترسّخ الفوارق وتضعف التماسك. وهي دعوةٌ صريحة إلى تحرير الوعي الجمعي من قيود الانتماءات التقليدية المنغلقة والمتحجرة، واستبدالها بثقافة المساواة والتكافؤ في الفرص.
إنها خطوة شجاعة على طريق بناء مجتمعٍ يزن أفراده بميزان الكفاءة والعمل، لا بأوزان القبيلة أو الشريحة أوالفئة أو الجهة. ومن هنا، يفتح خطاب مقاطعة النعمة الأفق أمام مشروع وطني جامع. 
 *ثالثًا: العمل التشاركي طريق التنمية.* 

 

في بُعده العملي، شدد الرئيس على أن التنمية لا يمكن أن تتحقق بجهد الحكومة وحدها، بل من خلال شراكةٍ فعليةٍ بين الدولة والمجتمع، حين قال:
" *العمل التشاركي هو الذي يمكننا من التوجه الصحيح، فإذا سارت الحكومة بمفردها دون إشراك المواطنين من خلال ممثليهم ووجهائهم وأصحاب الرأي، فلن نصل إلى الغاية المرجوة* ".
هذا التصور يعبّر عن فلسفة حكم رشيدة تُشرك الجميع في صناعة القرار، وتمنح المواطن موقع الفاعل، بدل أن يكون متفرجا. فالتنمية، في رؤية الرئيس، ليست عملية تقنية فحسب، بل فعلٌ اجتماعي يقوم على الثقة والتكامل والتنسيق المستمر بين المركز والمحيط.ولقد عبر فخامة الرئيس على أن الوطن مظلة للجميع من مختلف المشارب السياسية، وأن المعارضة الوطنية لها مكانها اللائق في منظومة سياسية مندمجة ترتكز على ثوابت جامعة لا محيد عنها،  ولا تفريط فيها . 

 

 *رابعًا: نداء لتوحيد الصف والجهد.* 

 

كان الخطاب نداءً تعبويًا صادقًا حين قال :
" *عليكم أن توحّدوا جهودكم في سبيل تنمية الولاية، بالمزيد من التعبئة والاستعداد ومواكبة الإصلاحات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية* "
هذه الدعوة تتجاوز حدود الحوض الشرقي لتشمل الوطن كله، فهي دعوة إلى اصطفاف وطني جامع يضع مصلحة البلاد فوق كل اعتبار، إنّها رسالة إلى كل الموريتانيين بأن التنمية لن تتحقق إلا بتوحيد الصفوف وتجاوز النزاعات الهامشية، وبالإيمان أن التقدم مسؤولية مشتركة لا تُنجز إلا بالعمل الجماعي والتضامن.

 

 *خامسا: التأكيد على أهمية السلم الداخلي والأمن الاجتماعي*

 

في محيط اقليمي  مضطرب، استطاعت فيه الدولة الموريتانية تعزيز قدراتها الدفاعية وتأمين حدودها وضمان سلامة مواطنيها والمقيمين في أرضها .ولقد تمكنت المقاربة النوعية التي وضعها فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني من تحقيق معادلة الديمقراطية الشاملة والأمن الاجتماعي ،في الوقت الذي تعاني دول عديدة في المحيط الإقليمي من إشكالات الحروب الأهلية والاحتقان الاجتماعي والأزمات السياسية . 

 

 *سادسا : خطاب في جوهره مشروع وطني* 

 

من منظورٍ تحليلي، يمكن القول إن خطاب مقاطعة النعمة، يندرج ضمن مسارٍ متكامل يقوده فخامة الرئيس منذ توليه المسؤولية، يرمي إلى إعادة بناء الدولة على أساس العدالة والانسجام الاجتماعي. فالدولة التي يسعى الرئيس لبنائها، ليست دولة الفئات أو الجهات، بل دولة القانون والعدالة والمواطنة المتساوية.
إنه خطاب يثبّت ركائز الجمهورية، ويؤكد أن الوحدة الوطنية شرطًا للتنمية وركنا أساسيا للاستقرار. ومن هنا، فإن دعوته إلى تجاوز العصبيات هي في حقيقتها تأكيد لدعوات سابقة إلى وعي جديد بوطن خيطه الناظم هو المواطنة والمواطنة أولا.

 

وهكذا فقد وجّه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني دعوة صريحة لكل الموريتانيين إلى مراجعة الذات، وإلى أن يجعلوا من المواطنة المشتركة ميثاقًا جامعًا، ينهض على العمل والاحترام والمشاركة. ومن الواجب اليوم أن تُقابَل هذه الدعوة باستجابة وطنية واعية ومسؤولة من جميع الفاعلين السياسيين في مؤسسات الدولة والمجتمع المدني.
لقد أكد أن موريتانيا تعيش مرحلةً مفصلية في تاريخها، تتجلى ملامحها في ترسيخ روح المواطنة، واتخاذ العمل المشترك وسيلةً للنهوض، وبناء وطنٍ يتّسع لجميع أبنائه على أساس العدل والإنصاف والكرامة. وبهذا يكرّس الرئيس الغزواني رؤيته للعلاقة بين المواطن والدولة، الاي تقوم على الوحدة والعدالة والتنمية المستدامة، في إطار وعيٍ وطني عنوانه المواطنة خيطُ الانتماء وجسرُ التشارك.

 

تصفح أيضا...